"كان لا بد من وقفة ومواجهة صريحة مع النفس، فما زلت عاجزًا حتى الآن عن الوصول إلى حالة الانسجام مع النفس وبالتالي الانسجام مع المجتمع.
ما زلت عاجزاً عن أن أفعل ما أؤمن به، وأن أؤمن بما أفعله؛ فأصبحت كالموهوم، أمارس الحياة في كون غير موجود، لا أدري ماذا أدركت وماذا تركت. وأصبحت ضحية لمجموعة ضخمة من المتناقضات جعلتني أقف على حافة الهاوية وجعلت مني إنساناً آيلاً للسقوط.
وهذا المجتمع لماذا بدا وكأني عدو له.
إن المجتمع ليس معبودا ً كما يظن، ولست أنا عابدًا كما يريد مني ولكننا صديقان.. ولكن المجتمع أيضا وبصورة يومية مفزعة هو أناسٌ أصطدم معهم في كل دقيقة فكراً وجسداً.. أناسٌ يفزعهم وجودي كما يفزعني وجودهم.. أحس وكأنهم يتربصون بي طوال الوقت ويضمرون لي شراً.. فأنا أشعر بالاغتراب فأتمزق تماماً وأضيق بالدنيا شعورا.
ولكن عندما يبتسم لي إنسان طيب أشعر بأنّ الحب ينتصر في داخلي وتتوحد لدي صورة المجتمع.
وتوالت علىّ الهزائم.. ما أكاد أخرج من هزيمة حتى تلاحقني هزيمة أخرى.. ولم أعد أتحمل تجاهل فشلي في نواحٍ ومجالاتٍ كثيرة، فأصبحت ذكريات الفشل أقوى مني ولذلك لا أخجل من الاعتراف السابق بجهلي لأنقذ نفسي من الانهيار الكامل. ولم أكتفِ بأن أكون جادًا في نواحٍ أخرى فالنمل يفعل ذلك ولكن كان من الضروري معرفة الشيء الذي أكد من أجله.
وكان لا بد من حل حاسم ومن إعادة تقييم لدوري ووظيفتي وهدفي وغايتي في الحياة، ومن وسيلتي لتنفيذ هذا الدور وأداء تلك الوظيفة وتحقيق هذه الغاية.
وكان لا بد من محاولة شمولية جريئة من أجل خلق الانسجام بيني وبين نفسي وبالتالي خلق الانسجام مع المجتمع.
وكان لا بد من إعادة بناء النفس واستعادة الثقة المفقودة والقضاء على الإحباط والقلق الذي ينتابني في معظم أوقاتي.
وكان من الضروري تحطيم المتناقضات في حياتي وحل المشكلات الجوهرية التي استأثرت بكل تفكيري وكياني ورفض فوضى الحياة التي أعيشها، بل ليس مجرد الرفض فقط بل شن حرب قاسية للقضاء عليها وإعادة تنظيم وبناء الحياة من جديد على أسس قوية وسليمة ولم أجد سبيل لذلك من أن أوقف جميع مظاهر وأنماط الحياة التقليدية التي أعيشها –فيما عدا الضروري والملح منها- والحد من جميع العلاقات والخروج بسرعة من دائرة الحياة اليومية التي أعيشها وذلك لفترة لا أستطيع تحديدها وذلك من أجل المواجهة ومن أجل اتخاذ موقف من كل شيء.
موقف قوي يستند على منهج فولاذي صلب، ويتفق هذا الموقف مع طبيعتي ويتمشى مع ما هو متاح لي من إمكانيات، ويتسم بمزيد من الموضوعية والواقعية وفوق كل ذلك لا يحمل هذا الموقف الجديد في طياته أدنى درجات التجني أو الظلم لأي طرف مهما كان.
وكان لا بد من خوض المعركة واضعًا أملاً كبيراً في حتمية الانتصار."